كل المدن تنام وهي تحلم باليقظة المعتادة، عمال النظافة أولا، باصات المدارس، الطلاب المجتهدون، ثم الزحام عند مداخل المدرسة، بعدهم بقليل العمال وكل المتجهين الى دواماتهم. . مراجعة المستشفيات. . الصفوف الطويلة في الدوائر الحكومية. . الباحثون عن الوظائف. . وآخرين يناموا انتظارا لدورة الليل.
وكل المدن حين يأتيها المطر تبتسم، الاطفال يبدون حالمين أكثر، والعشاق يصنعون حضنا يظلل الكون..كل المدن يصيبها الغرق لكن جدة غرقت فجأة.. في لحظة انتظار لإشارة المرور غرقت .. في لحظة واحدة كل المدينة عادت طينا ..
جدة. . حرمت من هذا الصباح .. ظللنا في أماكننا , وصارت السحب تغلق هذي الشمس التي كنا نحبها مع قليل الضجر .. صار المطر يشبه علامة لجحيم قادم!
المطر يشبه جحيما!!
المطر يشبه جحيما وأكثر. .
الأهوال التي كنا نسمع الوعاظ يتحدثون بها عن يوم القيامة بدت شيئا هينا أمام كل ما شاهدناه، لا شئ يشبه ما رأيناه. . لا شئ يوازي لهفة أم تنتظر طفلها يعود من المدرسة وهي ترى المياه تهوي بالسيارات والمباني. . لا شئ يوازي أن ترى كل شئ يتقلب أمامك وأنت لا تعلم مالذي يحدث. . مالذي سيصور تلك اللحظة التي علقت فينا ومنحتنا تعريفا جديدا لكل تلك الأشياء ..( الموت .. الذاكرة .. الحياة .. المدن .. الكتابة ) , اللحظة التي ذكرتنا أننا الهامش.. فجأة بدونا كموت ينتظر دوره .. وأحسسنا بالجاذبية تهوي دوننا .. على النوافذ ارتمينا لم يكن شئ نهرب إليه سوى أن ننظر .. تلك الليلة الطويلة جداً .. ليلة واحدة امتدت لأيام وكانت شتاء قاسياً على الجسد والروح ..
لم نكن في يوم قد كرهنا الماء، كان المطر يأتي متنزها مرة في السنة هذا إن أتى. . والبحر. . من مد يده لنا. . وقال هيت لكم. . ادفنوا مني ما شئتم .. لم نكن في يوم قد كرهناه . .