رسائل جدة

4- كنجمة في عتمة أبدية..

أقف على رمل الشاطئ الناعم . أدير ظهري عن البحر . ألتفت إلى جدة . كانت تبدو كمدينة مليئة بالوعود . ألمح بيوت الصيادين الواطئة بلونها الأبيض الحائل للصفرة بفعل الرطوبة وأشعة الشمس اللاهبة , تبدو من ذلك البعد كخربشات قلم في يد طفل عابث . ألمح سورها العتيق بأبوابه الأربعة فأشعر برسوخي وثباتي ولكن في أرض موحلة .

هناك في جدة كل شئ مختلف . رتم الحياة ملئ بالمسرات وإيقاعها صاخب وضاج بالحيوية . مدينة متفجرة بالفرح . هناك تتلاقح الأفكار وتنصهر الأجناس لتكون عجينة فريدة من نوعها : الناس الراحلة إلى شتى الآفاق والآيبون الذين لا زالت تلتصق بهم وعثاء السفر . البشر بمختلف مشاربهم وتعدد ألسنتهم وأنماط عيشهم . ومن أساليب الحياة وثرائها . وتنوعها . الناس هناك طيبون ومسالمون يعشقون الحياة لدرجة التقديس ويبذلون جهداً كبيراً في سبيل استمرارية رغد العيش وبحبوحته . يعرفون جيداً كيف يعبون من الدنيا وزهرتها . لا بد أن أعترف بأني أعشق هذه المدينة .

و المصائب قد تأتي لجدة من كل مكان إلا من جهة البحر الذي أحبنا فبادلناه حباً بحب . تنكفئ على البحر . تتمدد على الشاطئ كفتاة عارية غير آبهة بالغادين والرائحين . جدة مدينة بريئة بالفعل . مدينة لا تحتمل العنف ولا سورات الغضب كانت ولا زالت مدينة مضيافة تتقبل الكل على أرضها بكل أريحية , ربما اكتسبت تسامحها بسبب وجودها بالقرب من البحر وبسبب وجودها في نقطة التقاء تجمع كل الفئات والأنماط البشرية : تجار , حجاج , نهازو فرص , شذاذ آفاق , كانت تتسامح مع الجميع بدون استثناء , لها وجه باسم لكل من يطأ على ترابها .

* هذه المقاطع مقتبسة من : رواية فتنة جدة لمقبول موسى العلوي .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s