رسائل جدة

6- الحزن رقم واحد ..

ويسألني صديق : لماذا نكتب عن الحزن ..

ربما لأن الحزن يحتضنك إلى الأبد .. وحتى تعذب شاعرا لن تحتاج إلى جلاد.. يكفي أن تنفيه عن مقهاه..  والحزن منذ البداية كان ..الحزن لم يكن أزلا لكنه امتداد في امتداد .. كان قلبك ممتلئاً بما يكفي ليقتات الحزن عليه عمراً كاملا ..  كيف لنا ألا نحزن ونحن نرى أشيائنا الصغيرة تسقط ؟! الذكريات .. الأصدقاء الراحلين بلا تلويح..   قلوبنا التي تتحول إلى ما يشبه مطفئة السجائر بامتداد الزمن .. كل الأحزان يا صديقي تلتئم لكن حزناً واحداً يبقى مفتوحاً وموغلاً في ألمه .. حين تطردنا المدن التي نحب والمرأة التي نحب .. إلى أين ستلجأ وحتى المنافي صارت تطرك ؟! .. لو كان لنا أن نبكي المدن التي كنا نقبلها كل صباح  لحفرناها أزقة ودروب .. النبي يعود إنساناً يقول لمكة : لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت .. درويش يطرد من بيروت فيعصرها في قصائده : بيروت من تعب                                                                                                                               هذا الحزن شجي كأغنية بحار.. كموال حجازي يبث  أهة الشوق .. وكنبرة مظفر حين يتأوه : مو حزن لكن حزين .. هذا الحزن الذي ضعنا  فيه كهاوية تتسع كلما أردنا منه خروجاً ..  والروح لاتسقط سريعاً .. الروح  ليست جدار برلين .. الروح تتهاوى : رملة رملة .. ذاكرة ذاكرة ..                          نفوسنا هشة كخيوط البكاء .. هشون نحن لنتعلق بالأمكنة فنبكيها حين نبقى وحين نغادر وحين تبقى وحين  تهدم .. نبكي على تعلقنا بها ..نتحسس هشاشتنا فنتعلق أكثر ..

مذ عرفنا جدة وهي معتقة  برائحة دمعة قديمة .. ربما كانت دمعة من دفن حواء .. ربما  كان عابراً خاف الموت قبل أن يقبل بيت الله .. وربما كانت لعاشق أبعده عنها البحر , هذا الذي صار أحمراً من قلوب العشاق المثكلة ..                                                                                                   و  مابين لحن يدوزنه طلال ومقطوعة تخلقها يد عبادي بدت جدة .. حيث البكاء عزف والانكسار موج سيحملنا للشتات .. بدت كمدينة سيلجأ لها الشعراء حين تغلق المدن في وجوههم .. إلى جدة سيلجأ الدراويش والمغنون البسطاء ..البحارة .. الشعراء الغاضبين من السماء  .. هي آخر ما تبقى من قافلة البحر.. مدينة عاشت 1000 عام ولم تشهد حرباً واحدة .. هذه المدينة وردة أكثر مماينبغي .. ظلت على البحر تمارس انتظاراً لما لا ينتظر ولم تنحني .. مر الوقت ومازالت على البحر .. فاتنة ككل الانتظارات الطويلة .. ..                                                                           جدة ياصديقي كانت حزناً عابراً .. لكنها حين عبرت حملتنا معها .. كيف لرحم واحدة أن تنجب طلال وعبادي؟!  .. قدس الله حزنك ياجدة ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s