.
في السؤال عن سبب تسمية هذا النوع من الشاي القادم من الهند والذي يسمى أيضاً بالكرك أو شاي الفقراء , لا توجد أي إجابة تستحق أن تعلل هذه التسمية سوى أنه انتشر من عدن قادماً من الهند وفي تعليل آخر يبدو أكثر شاعرية هو أن هذا الشاي والمختلف جداً عن الأنواع الأخرى في كمية التوابل والبهارات التي تضاف له ,( قرفة , زنجبيل .. ) يشبه هذه المدينة الساحلية التي احتضنت الناس بالكثير من أشكالهم وألوانهم ومللهم وانتماءاتهم وميولهم , مساجد ومزارات لكل الطوائف الإسلامية , كنائس , معابد هندية , لكن حتى عدن لم يكن لها أن تنجو من حمى هذه الأصولية التي تجتاح العقل العربي ,هوس المؤامرة و انهزامية الفكرة التي يدافع عنها بالسلاح أكثر من العقل و هذا التراث الذي ظل منذ حرب البسوس لم يتجاوز فكرة أن الحرب حل جميل , الحرب التي فهموها أنها منتصر ومهزوم لا على أنها خيبة تصيب الجانبين , الغرق في أصولية أسلم تسلم وخرافات الغزو وفتح العالم التي تخصى بها عقول أجيال منذ الطفولة , ماللذي تنتظره من أجيال تربى على قصص الغزوات أكثر من أفلام الكرتون ؟ , وهم إنتظار اللحظة التي سيصبح فيها كل الناس أتباعاً لنا , هذا التراث الذي إختير بعناية ليجعل من كل الذين عايشوه ألغاماً من الممكن أن تتحول إلى وحوش بشرية في أي لحظة , حتى الطبيعة نطمع أن تتحول إلى جنودٍ في سبيل شهوتنا الدموية لأنهم حين ينامون لا يحلمون بحبيباتهم بل يحلمون أن تناديهم الأحجار وتقول هذا عدوك خلفي .
الأصولية تتلاقح مع العقلية القبلية التي تجعل من كل أفراد القبيلة أناساً معصومين لا يخطئون ويدافع عنهم حتى الموت , وتجعل من الآخرين أعداء فقط لأنهم آخرين , أن يصبح مجرد إختلافك ألماً لا يحتملونه لأنهم مؤمنين أنهم الفئة المنصورة وأن اختلاف الآخرين عنهم يعني أن الله لم يحقق وعده بعد . عدن .. مثل كثير من المدن التي كانت , تندمج فيها الإختلافات دون خوف من أن يراقبك أحد , أو ينتقدك أحد , تصبح مثل مدن أخرى كانت تشبه الحلم لكنها ماعادت كذلك , الحرب لا تبدأ حين تبدأ .. الحرب تبدأ حين تنتهي ونخرج للشوارع نحاول أن نعرف أي شوارع هذه ثم نردد عند كل ناصية : قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل .. حين نتفقد الأصدقاء ونعد المفقودين من العائلة .. حين نعد سنوات الدراسة الفائتة .. الحرب لا تنتهي طالما أنها تشعل الحقد في القلب وتفتح موعداً مؤجلاً للانتقام .. هي تسرق منا حتى الأسئلة الإعتيادية عن الحال والطقس والثرثرة , في الحرب ثمة سؤال واحد : هل ما زلت حياً ؟
و مازال سؤال الملائكة قائماً : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟! ..