أشياء..

وانطفأ (نور) الاتحاد ..

لازلت أذكر تلك اللحظات ، في ظهرية 18 أبريل 1999 ، كنت طفلاً في صفي الأول ، انصرفنا من المدرسة وخلت الساحة سريعاً على غير المعتاد حيث كانت مباراة الاتحاد وجيونام الكوري على نهائي كأس الكؤوس الآسيوية ،  بعد أن دخلت البيت وجلست أمام المباراة التي كانت حديث الجميع تلك الأيام ماهي الا دقائق حتى صرخ غازي صدقة محتفلاً بتسجيل محمد نور هدف التعادل في الدقائق الأخيرة  (عليك نور يامحمد نور عليك نور يامحمد نور .. تأخر الهدف ولكن محمد نور ينور ينور ) انتهت تلك المباراة بفوز الاتحاد بالبطولة وظلت كلمات غازي صدقة أحد أهم اللزمات التي علقت في عقول جيل التسعينات ، مثلما تعلقت الأجيال التي قبلنا بصوت علي داوود وهو يردد ماجد أحمد عبدالله في نهائي  السعودية والصين 84 .

جزء رئيسي في أسطورة نور هو ذلك المزج بين جيلين كرويين والاستمرار محافظاً على وجوده ، عاشر جيل أحمد جميل وخريش والفوز بالثلاثية والرباعية ،  الجيل الذي كان يملك سحر كرة القدم في الولاء للشعار والجمهور ، حين أصيب أحمد جميل في مباراة الوحدة بكسر مضاعف في الركبة نادى على زملائه وهو على النقالة رغم آلامه طالباً منهم المقاتلة للفوز والتأهل . وعاصر أيضاً جيل الاحتراف الحديث بنجومه وتقنياته وملايينه . لقد استمر نور رغم تغير الأجيال والادارات يقاوم ويشاكس ويعاند ، في لعبة يصبح المكان الرئيسي فيها مطمعاً من الصعب أن تسترده إذا غبت عنه .

إستمر نور وتحول إلى أيقونة بتصريحاته وغضبه وتصرفاته، لكنه أيضاً لم يستسلم حين حورب بكل الطرق ولأسباب يعرفها البعض ولا يريد البعض أن يعرفها ، الفتى المكاوي ظل دائماً عنيداً ومكاوياً في مزاجه وظل دائماً يعود أقوى، رغم كل تلك المشاكسات التي كان نور يحدثها من تارة لأخرى فالحديث ظل يتكرر قبل بداية كل موسم هل سيغادر نور الاتحاد ؟ المدرب الجديد لا يريد نور ، هل سيعتزل نور ؟  كنا نعلم أنه لن يغادر وحتى حين غادر كنا نعلم أنه سيعود ورغم كل هذه المهاترات ظل نور على أرضية الملعب كما هو دائماً، صانع العرضيات الساحرة ، مستفز الخصوم بمرواغته ، ومجازفاً بمنوالات متهورة في أحلك لحظات المباراة جدية .

إن كرة القدم تبدو كمحاولة للإبقاء على الطفولة والمحافظة على شئ من اللاجدوى وباعتبارها فعلاً مشتركاً بين البشر يخضع للإعتبارات التي يخضع لها أي فعل بشري حيث تتغير دوافعه وأسبابه من إنسان لآخر بين الحب المعلل والحب غير المعلل وغيرها ، أو باعتبارهاعمل ابداعياً  تنسحب عليه مقاييس الفن ، كان محمد نور مثالاً على قوة تلك الدوافع التي جعلته مستمراً طوال هذه السنين على العشب الأخضر ومحافظاً على روح الفن بجنونها وضجرها داخله .

ثمة مقولات معتادة عن أن الأندية أكبر من الأساطير والنجوم ، لكن الآن أشاهد نور يتوقف وأنا من الذين تفجر وعيهم على كلمات غازي صدقة وكانوا دائماً يرون الاتحاد بنور ، حتى صار نور والاتحاد شيئاً واحداً في وعي جيلي،  وفي السنوات الأخيرة التي كنا نشاهد نور يصبح رفيقاً للاحتياط أكثر وتتباطأ خطواته يوماً بعد يوم ، كنا نفكر ونحلم أنه سيكون قادراً على أن يفعل شيئاً ساحراً بدخوله أو أن يغير بعرضية واحدة مصير مباراة ، ورغم أن هذا صار مستحيلاً إلا أننا استمرينا نؤمن بهذا الوهم، لكننا الآن أمام الحقيقة وحتى وإن كانت من لوازم الحياة فيحق لنا أيضاً أن نضجر وأن نغضب من أن فارس عوض لن تكون لديه مساحة بعد الآن للحديث عن فتى مكة الشقي وأن الكرة ستفتقد كثيراً الرجل الذي أتقن احتضانها بين رجليه بكل دفء .

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s