بالحديث عن سرقة الكتب ثمة تاريخ طويل لهذا الفعل ، إنه يذهب بعيداً إلى زمن لم تكن الكتب فيه متوفرة إلا بنسخ شحيحة وبحسب الكاتب الفرنسي تالمان دي ريو، لم تكن سرقة الكتب جريمة يُعاقب عليها القانون طالما لم يقم السارق ببيع الكتب ، وفي دير سان بيدرو في برشلونة توجد على باب المكتبة مسودة طويلة من الدعوات الشنيعة على من يتجرأ ويسرق كتاباً ، لم يكن هذا فحسب بل اتخذت المكتبات في أوروبا العصور الوسطى العديد من الوسائل لحماية الكتب من السرقة ،مكتبة غيلدهول كانت تربط أغلفة الكتب بسلاسل حديدية ، فلا يمكن للقارئ أن يحمل الكتاب إلى طاولة أو كرسي بل يبقى واقفاً بجانب الرف الذي تُربط به السلسة حتى يتم الانتهاء من القراءة ، و مكتبة كاتدرائية هيرفورد هي أكبر مكتبة ضمت كتب مربوطة بالسلاسل على الإطلاق .
لكن الموضوع لم ينتهي حين بدأت الطباعة وانتشرت الكتب إذ أن العوز المادي وأحياناً الإدمان كان سبباً لاستمرار سرقة الكتب ، ففي تحقيق قام به عبدالجبار العتابي مع العديد من المثقفين العراقيين إعترف العديد منهم بأنه مارس السرقة جالباً كافة المبررات ، واستنكرها آخرون تماماً بينما وجدها عبدالرضا عبدالحميد مغرية رغم أنه لم يمارسها ، و أشار محمد يونس إلى أن سرقة كتاب ما هي انتصار للكتاب ذاته، وقال : صراحة.. تعتبر فكرة سرقة الكتاب فكرة ثقافية بالأساس وليست اجتماعية أو سرقة تتعرض إلى عقوبة قانونية إنما هي جزء من بنية الثقافة، والسارق هو مبدع وفنان ولكن الفكرة تنعكس على بعض الشخصيات أنها غير مقبولة وأنها جزء من لصوصية لا تختلف عن أية لصوصية وأن ممارسها غير مقبول اجتماعيا، ولكن تبدو الحقيقة غير ذلك وربما هي السرقة الشرعية الوحيدة. أما محمد غازي الاخرس فأكد أن ارتكاب هذه العملية دليل على الهوس بالقراءة، فقال : أعتقد أن هذه الفعالية من أروع الفعاليات وأكثرها جدوى، خصوصا في مرحلة الشباب الحماسية في بلدان يكون المثقفون فيها من شرائح اجتماعية فقيرة .
ويقول صلاح الدين الجورشي الكاتب التونسي ورئيس تحرير صحيفة الرأي العام أن الطلاب في تونس فترة الثمانينات كانوا يحللون سرقة الكتب من أجل اكتساب الوعي، مما كان سبباً في الكثير من النقاشات بين الطلاب الذين يتبنون التوجه الرأسمالي ومخالفيهم حول هذا الموضوع .
بول أوستر أوضح أن الكثير من أصدقائه قاموا بسرقة الكتب من المكتبات وعن رأيه في سرقة الكتب أعرب عن قلقه بخصوص اختفاء العديد من المكتبات وعدم قدرتها على الاستمرار ولم يعرف لماذا تأتي كتبه في قائمة الكتب الأكثر سرقة وقال ربما يكون بسبب العناصر الإجرامية في أعمالي .
صحيفة التليغراف ذكرت أن كتاب إنتحار العذراء هو أكثر الكتب سرقة في الوقت الحالي وتحدثت إحصائيات أخرى عن أن الكتب المقدسة هي الأكثر سرقة دائماً بحجة أن الناس يروا أن الكلام المقدس غير معد للبيع ومن الإهانة شراءه .
وقد أصدرت مكتبة “بارنز ونوبل” سنة 1999 قائمة بأسماء المؤلفين الذين تتم سرقة كتبهم باستمرار فشملت القائمة أسماء: مارتن أميس، بول أوستر، جورج باتاي، ويليام بوروز، إيتالو كالفينو، رايموند تشاندلر،فوكو، داشيل هاميت، جاك كيرواك، جانيت وينترسون وعلى رأس القائمة طبعاً: تشارلز بوكوفسكي.
تشير بعض التحقيقات أن سجل الاعتقال الخاص بسارقي الكتب هو سجل ذكوري ، وغالباً من صغار السن ، وحتى العناوين التي يتم اختيارها للسرقة هي عناوين للكتاب الرجال غالباً و يشير بيتر سميث مستشار صناعة النشر أن 40 في المئة فقط من من الكتب التي تتم قراءتها تكون مشتراة والنسبة الباقية مقسمة بين الإعارة والسرقة .
لكن المتاجر تتخذ احتياطاتها أيضاً حيث يضع الباعة في مكتبة سانت مارك شرق مانهاتن الكتب الأكثر عرضة للسرقة خلف الكاونتر لحمايتها، وأحياناً يعرف أصحاب المكتبة أن كاتب ما لم تعد محبوباً بين القراء عندما لا تسرق كتبه . ويقول موظفي متاجر بوك بيبول أن معدل سرقة الكتب ارتفع إلى كتاب واحد في الساعة ، وأصبحت أغلب المكاتب تراقب ممراتها وتضع كاشف السرقة عند الباب ، وفي معارض الكتب الموسمية يتم منع خروج الكتب بدون ايصالات الشراء ، إلا أن القراء الذين احترفوا في السرقة تمكنوا من ايجاد وسائلهم من خلال شراء كتب صغيرة تحمل نهايتها صفر ثم يقوموا بإضافة صفر آخر للخروج بأكبر كمية وسط انشغال موظفي الأمن ، و يذكر سميح العوام ، مالك دار العوام للنشر ، أن جزءاً كبيراً من جهده في معارض الكتب يتوجه إلى مراقبة الكتب وحفظها من السرقة .
مؤخراً ظهر خبر صحفي في مصر بعنوان حرامي مثقف وجاء في الخبر أن نيابة المعادي أمرت بحبس شاب 4 أيام على ذمة التحقيق لاتهامه بسرقة كتب من مكتبتين في المعادي وكانت معلومات وردت إلى قسم المعادي تفيد بسرقة شاب يدعى “عادل. أ” (23 عاما)، كتب من مكتبتين، وبإعداد الأكمنة تم ضبطه متلبسا داخل مكتبة وهو يحاول السرقة وبمواجهة المتهم أمام النيابة اعترف بالواقعة، وأنه سرق 11 كتابًا من هذه المكتبة للقراءة اتضح لاحقاً أن أغلب الكتب التي كان يسرقها هي للكاتب البرازيلي باولو كويلو .
نشر في كتبجي