رسائل جدة

7- الطريق إلى الخمرة ..

درب جنوبي أو خط الموت كما يسمى .. كنت أكره أن أصبح طبيباً كي لا يزول مني ذلك المعنى المقدس للموت , حتى لا يتحول إلى مجرد رقم أو حالة ..لكن مشاهدة كل هذه الحوادث اليومية كانت كفيلة بأن تجعلني أغير نظرتي بدون أن أصبح طبيباً ,صار معتاداً مشهد الجثث الملقاة على الإسفلت والثياب التي تغطت بالدم , صار عادياً جداً الموت بالنسبة لي الآن , غداً سيكون هناك حادث آخر وميت آخر , أو ربما سأكون أنا ؟! ليس سيئاً أن يتحول الموت إلى مجرد حالة لكن السئ بحق هو أن تظل موبوءا بالخوف من الفقد , وكل الحديث الذي نردده عن انتظارنا للموت ليس سوى كذبة لأننا مازلنا نشتهي هذا البقاء .. مالذي نفكر فيه حين نقترب من الموت أو حين نتخيلنا موتى ؟! أمنياتنا الصغيرة هي ماتقلقنا : إشتهاء القبلة الأولى , حل أحجية اليقين , الموسيقى التي تريد عزفها بيدك , صديق تريد دعوته لقهوتك, وأخطاء لم تقترفها بعد ,,

الطريق ممتد برائحة الزيت المحترق والناقلات العملاقة لا تتوقف عن المرور , تتبهرج مؤخرتها بأعلام الدول التي جاء منها السائقين , أصدق مايليق بالإنسان من تعريف ليس أنه حيوان عاقل بل هو حيوان واهم يصنع آلهة من التمر ثم يأكلها أو يصنعها لتلبي أمنياته وحين لا تلبي أمنياته يقول : هي مشغولة بأمور أعظم , يطرده الوطن فيحمل ألوانه في كل غربة يذهبها , أكثر شئ أتقنه الانسان هو الوهم ..
المفتش يطارد العمال ويسألهم عن هوياتهم لكن المشكلة أن المفتش ذاته لم يكن يعرف القراءة .
عمال يفكرون في زوجاتٍ لم يرونهم منذ سنتين , هل يفكرون في إشتهاءاتهم أم في قلق الخيانة؟ , وعيونهم التي تنضح بالشبق فلا يجدون إلا النكات القذرة لأن المومسات هنا للأغنياء فقط ..
الطريق طويل مثل تلك الحكايات التي يجترها عاملين , الحكايات التي تطول بلا نهاية , وكاسات الشاي تشرب أيضاً بلا نهاية هنا ,

كل هذا البؤس تنساه حن تشاهد كرسيدا الثمانينات وصوت عزازي يصدح منها , والسائق يخرج إحدى رجليه من النافذة, هذه الصورة الوحيدة التي تليق بمهزلة الوجود .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s