كيف يمكن لنا أن نكتشف الشعراء، أن نكتشف حكاياتهم الهشة وتأثرهم بها.
يمكن لنا أن نلتقط هذا بسهولة في الرواية، نقارن بين حياة الكاتب وروايته، فنكتشف دوافعه النفسية وأسبابه، لكن القصيدة تشبه لغزاً تضيع فيه شخصية الشاعر، وتتلاشى أمام محاولة القبض عليه داخل نصه.
لكن حكايات الشعراء عن بعضهم تبدو نافذة جيدة للقبض على الشعراء خارج قصائدهم، وسأروي هنا ثلاث حكايات لشعراء عن شعراء آخرين.
حكى محمود درويش عن لقائه الأول بسعدي يوسف في بغداد آخر الليل، وهو يقود سيارته بشكل متهور، أحس درويش وقتها أن نهايته ستكون في دجلة، وخشي من الموت البائس في قاع النهر.
كان سعدي يسأل محمود، وهو يقود: هل هذا شارع أم حائط؟ ومحمود يرد: هل أوصاك أحد بقتلي؟ لتظل هذه النكتة بينهما: شارع أم حائط؟ ربما أمكنني، بعد سماع هذه القصة، فهم كثير من الثمالة الشعرية التي نقرأها عند سعدي.
يمكننا أيضاً أن نقرأ حالة محمود الشعرية، والخلاف الفارق في قصيدته التي كتبها قبل الخروج من فلسطين، مثل “سجل أنا عربي”، ثم التحول إلى لغةٍ أكثر تعقيداً بعد الخروج من فلسطين، من خلال ما حكاه أمل دنقل عن درويش، حين زاره بعد رجوعه من الأقصر وأسوان في أول أيامه، فوجده مريضاً، وحين سأله عن السبب، أجابه درويش أنه شاهد أطفالاً كثيرين يمشون حفاة الأقدام.
كان المنظر مرعباً لدرويش الذي توقع أن يشاهد مصر التي كان يسمع عنها في الراديو، لكنه فوجئ بأطفالٍ حفاة، حيث ذكر لدنقل أن الأطفال العرب لا يسيرون حفاة حتى في فلسطين، مهما كانوا فقراء.
أما أمل دنقل، والذي يمكننا أن نسميه شاعر الجوع، لأن كلمة الجوع دائمة الحضور بمدلولاتها القاسية في قصائده: (والعام عام جوع) في كلمات سبارتاكوس الأخيرة، (ها نحن جياع الأرض نصطف) في انتظار السيف.
لكن الجوع عند أمل قبل أن يكون دلالة شعرية، كان حالة معاشة في سنوات المطاردة التي حوصر فيها واضطهد، نظراً لمواقفه، فقد حدث أنه كان يطلب من أصدقائه نصف جنيه ثمناً للغداء كما يحكي عبد العزيز المقالح في ذكرياته، وكان يضحك حين يلقبه أصدقاؤه الشاعر الصعلوك، معتبراً اللقب تحية كريمة في زمن الشعراء المدجنين بالبدلات الأنيقة والشمبانيا.
نشر في العربي الجديد